الأثنين 10 ربيع الأول 1445هـ - 25 سبتمبر، 2023

ما أثر الإنفاق العسكري على الواقع المعيشي للسوريين؟

img

السبت, 26 فبراير, 2022

7

في الوقت الحالي يتعاظم الإنفاق العسكري اليوم في معظم دول العالم. وأصبح هذا الإنفاق يشكل عبئاً يرهق اقتصادات الدول الكبيرة والصغيرة على حد سواء وعائقاً حقيقياً للتنمية الاقتصادية فيها.

في الحقيقة لقد أدت الحرب الراهنة إلى زيادة الإنفاق العسكري في سوريا بشكل غير مسبوق. وقد ترافق ذلك مع تراجع كبير في الاقتصاد السوري. مما شكل آثاراً سلبية متنوعة على الواقع المعيشي للسوريين. والسؤال هنا: ما أثر الإنفاق العسكري على الواقع المعيشي للسوريين؟

ما مفهوم الإنفاق العسكري؟

بصفة عامة يتضمن إنفاق حكومة البلد على المسائل المتعلقة بقواتها العسكرية. مثل الصيانة والعمليات والبحوث العسكرية والتطوير والمساعدات العسكرية والمشتريات والمرتبات والمعاشات.. إلخ. كما تحدد وزارة الدفاع بكونها الجهة المسؤولة عن الإنفاق العسكري. والتي ترصد موازنتها ضمن الموازنة العامة للدولة بشكل سنوي.

كما يعرّف بأنه جزء من الإنفاق العام للدولة. تقوم به من أجل الدفاع عن نفسها في حالة تعرُّضها لخطر خارجي. أو لمواجهة خطر واقع عليها فعلاً. أو لتسخير قوتها العسكرية لتحقيق أهداف داخلية أو توسعية خارجية.

ما العوامل التي تؤثر في الإنفاق العسكري؟

في الواقع تؤثر ثلاثة عوامل فيه. وهي العامل السياسي الذي يتضمن طبيعة النظام القائم ودرجة الاستقرار في البلد. والعامل الاستراتيجي الذي يتضمن خطر نشوب حروب خارجية أو أهلية ونزاعات إقليمية. والعامل الاقتصادي الذي يتضمن توفر الموارد الاقتصادية والعملة الأجنبية ودرجة التصنيع أو المخزون العسكري.

من جهة أخرى يعرّف المستوى المعيشي بأنه مستوى الثروة والراحة والسلع المادية والضروريات الموجودة لفئة اجتماعية-اقتصادية في منطقة جغرافية معينة. وعادةً ما يُقاس المستوى المعيشي بمجموعة من المؤشرات من أهمها الفقر والتضخم ودخل الفرد ونسبة البطالة ومستوى التعليم والصحة… إلخ.

كما تؤكد العديد من الدراسات على أنه يوجد أثر سلبي للإنفاق العسكري الطارئ على مستوى المعيشة في بلد ما. وهذا ما بدا واضحاً في سوريا. فقد زاد الإنفاق العسكري من جهة وترافق ذلك مع انخفاض أغلب مؤشرات مستوى المعيشة من جهة أخرى.

ما أثر الإنفاق العسكري على الواقع المعيشي للسوريين؟

لقد أثرت الحرب على الاقتصاد السوري منذ عامها الأول. وتزايد هذا الأثر عاماً بعد عام ليدمر كافة القطاعات بعد عشر سنوات. ولتصل الخسائر الاقتصادية لأكثر من 530 مليار دولار. وعلى الرغم من هذا التراجع الاقتصادي إلا أن هذا الإنفاق ازداد وفقاً لمقدرات الاقتصاد السوري. وبحسب مركز PWS للإنفاق على الجانب العسكري فقد احتلت سوريا المركز الثالث عربياً بالإنفاق العسكري. حيث قدّر الإنفاق العسكري بنسبة 8.5% من الناتج المحلي الإجمالي وبواقع 1.8 مليار دولار في عام 2018.

في الحقيقة أثر الإنفاق العسكري بشكل كبير على الواقع المعيشي للسوريين. حيث شهدت سوريا خلال الحرب تدهوراً كبيراً في نوعية حياة المدنيين. فارتفعت نسبة الفقر لتصل إلى 90% حسب تقارير الأمم المتحدة. كما أن انتشار الفقر بشكل كبير قد أثّر على كافة جوانب الحياة. وأدى لاعتماد المواطنين على المساعدات والمواد المدعومة وأوجد طوابير طويلة من طالبي المعونة. علاوةً على صعوبات كبيرة تتعلق بالأمن الغذائي.

وفي الوقت نفسه أدى هذا النوع من الإنفاق المتعاظم إلى زيادة مؤشرات البطالة. خاصةً بعد فقدان أكثر من 900 ألف فرصة عمل في سوريا. وعدم تمكّن القطاع العام والخاص من تلبية حاجات سوق العمل المتعاظمة. حيث تجاوزت نسبة البطالة 50% في إجمالي سوريا وأكثر من 89% في الشمال السوري وحده. فباتت العديد من العائلات دون مصدر دخل يُذكر.

إن الإنفاق على الجانب العسكري وتخفيض الإنفاق على القطاعات الاقتصادية الأخرى أدّى لانخفاض قيمة الليرة السورية وارتفاع مستوى التضخم بشكل كبير. حيث ارتفعت أسعار بعض المواد بنسبة تتجاوز 50 مرة خلال العشر سنوات. وانخفضت قيمة العملة بمقدار 80 مرة.

ترافق ذلك مع انخفاض مستوى الدخل من 300 دولار بشكل وسطي عام 2011 إلى أقل من 25 دولار عام 2021. مما أثر على قدرة المواطنين على الحصول على المواد الغذائية وفاقم من صعوبة حياتهم بشكل كبير.

لماذا يجب توجيه المقدرات الاقتصادية لصالح السوريين؟

لقد أدت زيادة الإنفاق العسكري إلى الحد من الإنفاق الصحي والتعليمي في سوريا في ظل محدودية الإيرادات وزيادة النفقات. كما زادت نسبة الأطفال المتسربين من التعليم بشكل كبير وانخفضت جودة التعليم. علاوةً على عدم قدرة الملايين على الاستطباب واعتمادهم بشكل كبير على المنظمات الإغاثية والدولية في تقديم الرعاية الصحية. أو اضطرارهم إلى المشافي العامة التي باتت بأسوأ حالاتها نتيجة الطلب المتزايد على خدماتها.

بصفة عامة إن توجيه كافة مقدرات الدولة السورية لخدمة الإنفاق العسكري قد أثر على الواقع المعيشي للمواطنين بشكل كبير. زيادة على ازدياد ديون سوريا لصالح روسيا وإيران اللتين قررتا تحصيل هذه الديون عن طريق مزايا وعقود استثمارية بطرق مجحفة. نتيجة لذلك ستتضاعف خسارة الشعب السوري لموارده المستقبلية التي يعوّل عليها في إعادة البناء وتحسين الواقع المعيشي في المستقبل.

في النهاية كلما طال أمد الحرب كلما زاد هذا النوع من الإنفاق وكلما أدى ذلك لزيادة معاناة السوريين وسوء وضعهم المعيشي بكافة جوانبه. ويبقى الأمل في الوصول لتسوية عادلة وإيقاف العمليات العسكرية وتوجيه الإنفاق لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وهذا ما ينتظره الشعب السوري.




المنشورات ذات الصلة